بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرج قائم ال محمد
مسألة (الخاتمية) وان نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه واله وسلم) هو آخر الأنبياء الإلهيين من المسائل التي يعتقد بها كل المسلمين على جميع فرقهم ومذاهبهم, وليست معرفتها والاعتقاد بها مختص بالعلماء فحسب بل وآحاد المسلمين أيضا ويـعـتبرونها من (ضروريات الإسلام) التي يتوصل إليها أي احد بسرعة عند إطلاعه على ما لدى المسلمين من بيانات شرعية سواء مهما الوحي أو الحديث الشريف.
ومنبع هـذا الاعتقاد حتى عند المسلمين يعود إلى (القرآن الكريم) و(الروايات الإسلامية) لان هذه المسالة ليست من المسائل التي يمكن إثباتها أو نفيها بالأدلة العقلية, لان العقل ليس له الحكم بان هذا النبي هو خاتم الأنبياء أم لا لان هذه المسألة تعتمد على مقدار حاجة البشر إلى بعثة الأنبياء وعدم حاجتهم لها في مستقبل حياة البشرية وهذا الأمر ليس للعقل التعرف عليه لأنه متعلق بالغيب الذي ليس لأحد الإطلاع عليه غير الله تعالى ومن أطلعه على غيبه وسره,فينحصر الطريق لإثباته على البيانات الشرعية فقط, فلا يستطيع الإنسان من تحصيل الاعتقاد به إلا بعد قبوله للقرآن الكريم بصفته كتابا سماويا, ونبي الإسلام (صلى الله عليه واله وسلم) كونه رسولا اللّه يمكن الاعتماد على قوله بهذا الصدد.
لهذا الـسبب نتوجه أولا إلى الآيات القرآنية, ثم نتطرق إلى الشواهد التاريخية والروايات الإسلامية لإثبات هذه المسألة:
الدليل القرآني على ختم النبوة
الآية الـرئيـسية التي تشهد على هذا المعنى هي قوله تعالى ((مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)) (الأحزاب:40) حيث عبرت بصراحة عن النبي صلى الله عليه وآله بأنه خاتم الأنبياء جميعا,حيث أن كلمة (خاتم) في تركيبها من حيث الاستعمال في اللغة العربية تعني الشئ الذي ينهون به شيئا,فالختم الذي كانت تختم به الرسائل بعد غلقها كان يسمى (خاتما), وحيث أنهم في القدم كانوا يكتبون على ظهر الخاتم أسمائهم أو الشعار الذي يختارونه لختم رسائلهم لذا سمو الخاتم خاتما,واتفق على ذلك أهل اللغة فمثلا يقول ((ابن فارس)) احد علماء اللغة المعروفين في القرن الرابع الهجري: (ختم, لها معنى اصليا واحدا لا أكثر وهو الوصول إلى نهاية الشئ وان قولهم (ختم) عندما يضعون ختما (مهرا)على شي فهو من هذا الباب, لأنهم دائما بعد إنهاء شي ما يضعون ختما أو مهرا عليه).(1)
ولذا لا يرد ما أشكل به على دلالة الآية الكريمة على الخاتمية من أن: (إن لفظة الخاتم، وردت بمعنى آخر غير الانتهاء، وهو خاتم اليد أي الحلقة التي في الإصبع للزينة، وان المراد من الخاتم في هذه الآية لعله هذا المعنى, فيكون المراد من كون النبي (صلى الله عليه واله وسلم) خاتم النبيين بمعنى زينتهم).
وعلى كل حال فأنه ذكرت آيات متعددة أخرى حول الموضوع إذا لم نقبل بدلالتها القطعية على الخاتمية, فلا اقل من احتوائها على إشارات على خاتمية الرسالة الإسلامية مثل:.
1 ـ ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ, لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) (فصلت: 41, 42)
2 ـ ((تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً)) (الفرقان:1)
3 ـ ((قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)) (الأنعام:19)
4 ـ ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)) (سـبأ:28)
5 ـ ((قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) (لأعراف:158)
6 ـ ((أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ)) (الأنعام: 9)
7 ـ ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) (الأنبياء:107)
حيث دلت هذه الآيات المباركة على أن الإسلام دين يعم كل الناس من حيث المكان والزمان وهو يشير إلى عدم الحاجة بعده إلى رسالة أخرى بعده بل هو احتوى على كل ما يحتاجه العالمون وفي كل الأوقات.
الأدلة الروائية على ختم النبوة
لقد ورد التصريح والتأكيد على ختم النبوة بنبي الإسلام في المئات من الروايات الواردة عن النبي(صلى الله عليه واله وسلم)، منها حديث المنزلة الذي نقله أتباع أهل البيت وغيرهم متواترا عن النبي صلى الله عليه وآله بحيث لا يبقى معه أي شك في صدور مضمونه، وذلك حين خرج النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في غزوة تبوك وخلف عليا (عليه السلام) مكانه في المدينة: (فبكى على، فقال له رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس بعدي نبي))(2).
وفي رواية أخرى عن النبي(صلى الله عليه واله وسلم): (أيها الناس، لا نبي بعدي ولا امة بعدكم) (3)
وفي حديث آخر عنه(صلى الله عليه واله وسلم) إنه قال: (أيها الناس إنه لا نبي بعدي، ولا سنة بعد سنتي)(4).
وفي رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) انه قال:ـ ((قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) والمسلمون حوله مجتمعون: أيها الناس انه لانبي بعدي ولا سنة بعدي, فمن ادعى بعد ذلك فدعواه وبدعته في النار, فاقتلوه ومن اتبعه فانه في النار))(5).
وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه قال: ((إن الله بعث محمدا (صلى الله عليه واله وسلم) فختم به الأنبياء, فلا نبي بعده, وانزل عليه كتابا فختم به الكتب فلا كتاب بعده))(6).
إلى غير ذلك من الروايات التي اعرضنا عن الإسهاب في ذكرها اختصارا.
السر في ختم النبوة
إن الحكمة في تعدد الأنبياء وبعثتهم المتدرجة تكمن في ثلاث نقاط رئيسية:ـ
أولا: أنه لا يمكن لفرد واحد تبليغ الرسالة الإلهية ونشرها في أقطار العالم كافة، وفي كل الأمم والشعوب في الأزمنة السابقة نظرا للظروف التي كان يعيشها الأنبياء السابقين والوسائل المتاحة لديهم.
ثانيا:أن اتساع العلاقات وتعقيدها، وحدوث الظواهر الاجتماعية الجديدة، كان يفرض وضع قوانين جديدة أو تغيير القوانين السابقة لتتلائم مع المتغيرات الحادثة أو الأمور الطارئة التي لم يعهد لها حكم في الشرائع السابقة.
ثالثا: وكذلك فان حدوث التغيرات والتحريفات نتيجة للتدخل المغرض أو الجاهل لبعض الأفراد والجماعات، فيستدعي كل ذلك تصحيحا وتعديلا للتعاليم الإلهية من قبل نبي آخر.
ولكن لو توفرت الظروف والشروط التي يمكن معها لنبي واحد تبليغ رسالته الإلهية للعالم كله وبالاستعانة بأنصاره وخلفائه، إضافة إلى كون أحكام شريعته وتعاليمها وتشريعاتها مستجيبة لكل احتياجات المجتمعات الراهنة والمستقبلية، ومتضمنة لجميع الاحتياطات الضرورية للمسائل المستجدة والمستحدثة. وكذلك في حالة وجود الضامن الذي يكفل بقاءها وصيانتها عن التحريفات، فمع توفر كل هذه الظروف والعوامل فلا مسوغ لبعثة نبي آخر.
وهذه الأمور كلها توفرت في رسالة الإسلام, فإن نبي الإسلام (صلى الله عليه واله وسلم) ـ بمعونة أنصاره وخلفائه الربانيين المعصومين ـ يمكنه إيصال رسالته إلى أسماع جميع البشر في العالم. وقد تكفل الله تعالى بصيانة القران الكريم عن أي تحريف لفظي, وكذلك المعنوي حيث قرنه دائما بمن يفهمه ويدرك علومه والى ذلك يشير حديث الثقلين الشريف, فلكل إنسان إدراك معانيه السامية بالرجوع إلى ألائمة المعصومين (عليهم السلام) وما صدر عنهم في هذا الصدد,ثم إن الشريعة الإسلامية يمكنها الاستجابة لاحتياجات البشر كلها حتى نهاية العالم,. فنحن لا ننكر ظهور بعض الوقائع الاجتماعية الجديدة التي تقتضي وضع أحكام جديدة، ولكن قد جعلت في الشريعة الإسلامية أصول وقواعد عامة توضع على أساسها أمثال هذه الأحكام والتشريعات الجزئية، حيث يمكن لذوي الصلاحية على أساسها استنباط الأحكام اللازمة والمعالجة لهذه الوقائع بتطبيقها عليها، ويلزم البحث عن هذه الفكرة ـ بتوسع ـ في الفقه الإسلامي.
ولكن قد يورد هذا السؤال: وهو(كما أن تعقيد العلاقات الاجتماعية في الأزمنة السابقة اقتضى وضع أحكام جديدة، أو تغيير الأحكام السابقة عليها، ولذلك كان يبعث نبي آخر لتلبية حاجة البشر في ضوء تلك المتغيرات، فإن الأمر ظل كذلك حتى بعد نبي الإسلام، فقد حدثت متغيرات بارزة أضحت معها العلاقات الاجتماعية أكثر تعقيدا، فكيف لا تقتضي هذه المتغيرات شريعة جديدة؟)
والجواب هو: إنه ليس في مقدور الإنسان العادي تحديد المتغيرات والتحولات التي تقتضي تغير التشريعات الأساس لان معارف البشر العادية وعلومهم لا يمكنها تحديد مثل هذه الظروف والعوامل حيث أننا لا نحيط بعلل الأحكام والتشريعات وحكمها، بل إننا ومن خلال الأدلة المبرهنة على خلود الإسلام، وختم النبوة بالنبي(صلى الله عليه وآله) نكتشف عدم الاحتياج لتغيير الأحكام والتشريعات الإسلامية الأساس, أما الله تعالى فبعلمه اللامتناهي المحيط بكل شئ يمكنه تحديد الزمان الذي تتحقق فيه هذه الظروف،ويستطيع أن يعرف مسبقا أي مقطع من الزمان تكون التغيرات فيه بحيث تحتاج إلى تغيير في التشريعات السماوية وهو الذي يمكنه الإعلام عن ختم النبوة عندما تكون الشريعة الموجودة تلبي حاجة البشر إلى نهاية العالم، كما فعل ذلك في آخر كتبه السماوية.
خلود الرسالة الإسلامية
ثبت لنا أن النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) هو خاتم الأنبياء (عليهم السلام)? وهذا يعني عدم وجود رسالة سماوية أخرى تأتي بعده وتنسخ رسالته وهذا يعني أن رسالته(صلى الله عليه واله وسلم) رسالة خالدة إلى يوم القيامة.
وقد دلت على ذلك جملة من الآيات المباركة كقوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) (سورة فصلت: الآية 41 ـ 42).
حيث دلت هاتان الآيتان على أن القرآن الكريم لن يفقد صحته ولا اعتباره ابدأ.
ومثل قوله تعالى: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) (الحجر: الآية 9)
حيث دلت الآية الكريمة السابقة على الوعد الإلهي بحفظ الذكر الحكيم والقرآن الكريم أبدا، ولم يرد مثل هذا الوعد الإلهي في حفظ الكتب الأخرى السابقة على القرآن الكريم وإلاّ لما أصابها مثل ما أصابها من تحريف كبير.
والى هذا الأمر دلت روايات كثيرة من أوضحها ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) (حلال محمد حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة) (7).
عالمية الرسالة الإسلامية
ثم إن ختم النبوة بالنبي محمد(صلى الله عليه واله وسلم) وخلود رسالته يدلان على عالمية هذه الرسالة، بمعنى أن الرسالة عامة لجميع البشر لا أنها مختصة ببعض الأقوام أو بعض المناطق، لانا عرفنا حال الرسالات السابقة، وانحرافها عن أهدافها في هداية أجيال البشرية مما أصابها من تحريف، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فمقتضى الخاتمية هو عدم بعث نبي آخر بعد نبي الإسلام (صلى الله عليه واله وسلم) فإذا قلنا بخصوصية الإسلام لقوم دون الأقوام الأخرى لزم حرمان تلك الأقوام من الهداية الإلهية وهو لا يتناسب مع حكمة الله وعدله، فلابد من القول بعالمية الرسالة الإسلامية، والى هذا دلت جملة من الآيات القرآنية الكريمة، فمنها قوله تعالى: ((قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعا)) (الأعراف: الآية 158) فان الخطاب في الآية متوجه إلى عموم الناس ولم يختص بقسم منهم دون الآخرين وإلاّ لزم التقييد فيها لا إطلاق الخطاب، ثم أكد العموم بقوله: [جَمِيعاً].
ومنها: قوله تعالى ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)) (التوبة: الآية 33) حيث دلت الآية على أن الله تعالى أراد إعلاء الإسلام وإظهاره على كافة الأديان.
ومن يتأمل في هذه الآيات وأمثالها لا يبقى لديه أدنى شك في عموم الهداية القرآنية وعالمية الدين الإسلامي الحنيف.